فصل: ذكر دخول الزنج الأهواز:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر قتل يحيى بن محمد البحراني:

وفيها اسر يحيى بن محمد البحراني قائد صاحب الزنج، وكان سبب ذلك أنه لما سار نحونهر العباس لقيه عسكر أصعجور، عامل الأهواز بعد منصور، وقاتلهم، وكان أكثر منهم عددأن فنال ذلك العسكر من الزنج بالنشاب، وجرحوهم، فعبر يحيى النهر إليهم، فانحازوا عنه، وغمن سفناً كانت مع العسكر، فيها الميرة، وساروا بها إلى عسكر صاحب الزنج على غير الوجه الذي فيه علي بن أبان، لتحاسد كان بينه وبين يحيى.
ووجه يحيى طلائعه إلى دجلة، فلقيهم جيش أبي أحمد الموفق سائرين إلى نهر أبي الأسد، فرجعوا إلى علي، فأخبروه لمجيء الجيش، فرجع من الطريق الذي سلكه، وسلك نهر العباس، وعلى فم النهر شذوات لحمية من عسكر الخليفة، فلما رآهم يحيى راعه ذلك، وخاف أصحابه فنزلوا السفن وعبروا النهر، ولقي يحيى ومن معه بضعة عشر رجلأن فقاتلهم هووذلك النفر اليسير، فرموهم بالسهام، فجرح ثلاث جراحات؛ فلما جرح تفرق أصحابه عنه، ولم يعرف حتى يؤخذ، فرجع حتى دخل بعض السفن وهومثخن بالجراح.
وأخذ أصحاب السلطان الغنائم، وأخذوا السفن، وعبروا إلى سفن كانت للزنج فأحرقوهأن ووتفرق لزنج عن يحيى بقية نهارهم، فلما رأى تفرقهم ركب سميرية، واخذ معه طبيباً لأجل الجراح، وسار فيهأن فرأى الملاحون سميريات السلطان، فخافوأن فألقوا يحيى ومن معه على الأرض، فمشى وهومثقل، وقام الطبيب الذي معه فأتى أصحاب السلطان فأخبرهم خبره، فأخذوه وحملوه إلى أبي أحمد، فحمله أبوأحمد إلى سامرأن فقطعت يداه ورجلاه ثم قتل، فجزع الخبيث والزنوج عليه جزعاً كبيرأن وقال لهم: لما قتل يحيى اشتد جزعي عليه، فخوطبت أن قتله كان خيراً لك، إنه كان شرهاً.

.ذكر عود أبي أحمد إلى واسط:

وفيها انحاز أبوأحمد من موضعه إلى واسط؛ وكان سبب ذلك أنه لما سار إلى نهر أبي الأسد كثرت الأمراض في أصحابه، وكثر فيهم الموت، فرجع إلى باذاورد فأقام به، وأمر بتجديد الآلات، وإعطاء الجند أرزاقهم، وإصلاح المسيريات والشذأن وشحنها بالقواد، وعاد إلى عسكر صاحب الزنج، وأمر جماعة من قواده بقصد مواضع سماها من نهر أبي الخصيب وغيره، وبقي معه جماعة، فمال أكثر الخلق، حين التقى الناس ونشبت الحرب، إلى نهر أبي الخصيب، وبقي أبوأحمد في قلة من أصحابه، فلم يزل عن موضعه خوفاً أن يطمع الزنج.
ولما رأى الزنج قلة من معه طمعوا فيه، وكثروا عليه، واشتدت الحرب عنده، وكثر القتل والجراح، وأحرق أصحاب أبي أحمد منازل الزنوج، واستنقذوا من النساء جمعاً كثيرأن ثم ألقى الزنج جدهم نحوه، فلما رأى أبوأحمد ذلك علم أن الحزم في الحاجزة، فأمر أصحابه بالرجوع إلى سفنهم على مهل وتؤدة.
واقتطع الزنج طائفة من أصحابه، فقاتلوهم، فقتلوا من الزنج خلقاً كثيرأن ثم قتلوا جميعهم، وحملت رؤوسهم إلى قائد الزنج، وهي مائة رأس وعشرة أرؤس، فزاد ذلك في عتوه.
ونزل أوأحمد في عسكره بباذاورد، فأقام يعبئ أصحابه للرجوع إلى الزنج، فوقعت نار في أطراف عسكره، في يوم ريح عاصف، فاحترق كثير منه، فرحل منها إلى واسط، فلما نزل واسط تفرق عنه عامة أصحابه، فسار منها إلى سامرأن واستخلف على واسط، لحرب العلوي، محمد بن المولد.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها وقع الوباء في كور دجلة، فهلك منها كثير ببغداد، وواسط، وسامرأن وغيرها.
وفيها قتل سرسجارس ببلاد الروم مع جماعة كثيرة من أصحابه.
وفيها كانت هدة عظيمة هائلة بالصيمرة، ثم سمع من ذلك اليوم هدة أعظم من الأولى، فانهدم اكثر المدينة، وتساقطت الحيطان، وهلك من أهلها زهاء عشرين ألفاً.
وفيها مات ياركوج التركي في رمضان، وصلى عليه أبوعيسى بن المتوكل، وكان صاحب مصر ومقطعها ودعي له فيها أحمد بن طولون، فلما توفي استقل أحمد بمصر.
وفيها كانت وقعة بين أصحاب موسى بن بغا وأصحاب الحسن بن زيد العلوي، فانهزم أصحاب الحسن.
وفيها أسر مسرور البلخي جماعة من أصحاب مساور الشاري، وسار مسرور إلى البوازيج، فلقي مساور هناك، فكان فيها بينهما وقعة اسر فيها من أصحاب مسرور جماعة، ثم انصرف في ذي الحجة إلى سامرأن واستخلف على عسكره بحديثة الموصل جعلان.
وفيها رجع أكثر الناس من القرعاء خوف العطش، وسلم من سار إلى مكة؛ وحج بالناس الفضل بن إسحاق بن الحسن.
وفيها أوقع بأعراب بتكريت كانوا أعانوا مساوراً الشاري.
وفيها أوقع مسرور البلخي بالأكراد اليعقوبية، فهزمهم وأصاب فيها.
وفيها صار محمد بن واصل في طاعة السلطان، وسلم فارس إلى محمد بن الحسن بن أبي الفياض. وفيها أسر جماعة من الزنج كان فيهم قاض كان لهم بعبادان، فحملوا إلى سامرأن فضربت أعناقهم.
وفيها توفي محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الدهلي النيسابوري، وله مع البخاري حادثة ظلمه بها حسداً له، ليس هذا مكان ذكرها.
وفيها توفي يحيى بن معاذ الرازي الواعظ في جمادى الأولى، وكان عابداً صالحاً صحب أبا يزيد وغيره.

.حوادث سنة تسع وخمسين ومائتين:

.ذكر دخول الزنج الأهواز:

وفيهأن في رجب، دخلت الزنج الأهواز، وكان سببه أن العلوي أنفذ علي بن أبان المعلبي، وضم إليه الجيش الذي كان مع يحيى بن محمد البحراني، وسليمان بن موسى الشعراني، وسيره إلى الأهواز.
وكان المتولي لها بعد منصور بن جعفر رجل يقال له أصعجور، فبلغه خبر الزنج، فخرج إليهم، والتقى العسكران بدشت ميسان، فانهزم أصعجور، وقتل معه ثيرك، وجرح خلق كثير من أصحابه، وغرق أصعجور، وأسر خلق كثير، فيهم الحسن بن هرثمة، والحسن بن جعفر، وحملت الرؤوس والأعلام والأسرى إلى الخبيث، فأمر بحبس الأسرى، ودخل الزنج الأهواز، فأقاموا يفسدون فيهأن ويعيثون إلى أن قدم موسى بن بغا.

.ذكر مسير موسى بن بغا لحرب الزنج:

وفيهأن في ذي القعدة، أمر المعتمد موسى بن بغا بالمسير إلى حرب صاحب الزنج، فسير إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح، وإلى البصرة إسحاق بن كنداجيق، وإلى باذاورد إبراهيم بن سيمأن وأمرهم بمحاربة صاحب الزنج.
فلما ولي عبد الرحمن الأهواز سار إلى محاربة علي بن أبان، فتواقعأن فانهزم عبد الرحمن؛ ثم استعد، وعاد إلى علي فأوقع به وقعة عظيمة قتل فيها من الزنج قتلاً ذريعأن وأسر خلقاً كثيرأن وانهزم علي بن أبان والزنج، ثم أراد ردهم فلم يرجعوا من الخوف الذي دخلهم من عبد الرحمن؛ فلما رأى ذلك أذن لهم بالانصراف، فانصرفوا إلى مدينة صاحبهم.
ووافى عبد الرحمن حصن مهدي ليعسكر به، فوجه إليه صاحب الزنج علي بن أبان، فواقعه، فلم يقدر عليه، ومضى يريد الموضع المعروف بالدكة، وكان إبراهيم بن سيما بالباذاورد، فواقعه علي بن أبان، فهزمه علي بن أبان، ثم واقعه ثانية، فهزمه إبراهيم، فمضى علي في الليل ومعه الأدلاء في الآجام، حتى انتهى إلى نهر يحيى.
وانتهى خبره إلى عبد الرحمن، فوجه إليه طاشتمر في جمع من الموالي، فلم يصل إليه لامتناعه بالقصب والحلافي، فأضرمها عليه نارأن فخرجوا منها هاربين، فأسر منهم أسرى، وانصرف أصحاب عبد الرحمن بالأسرى والظفر.
ثم سار عبد الرحمن نحوعلي بن أبان بمكان نزل فيه، فكتب علي إلى صاحب الزنج يستمده، فأمده بثلاث عشرة شذاة، ووافاه عبد الرحمن، فتواقعا يومهمأن فلما كان الليل انتخب علي من أصحابه جماعة ممن يثق بهم وسار، وترك عسكره ليخفي أمره، وأتى عبد الرحمن من ورائه فبيته، فنال منه شيئاً يسيرأن وانحاز عبد الرحمن، فأخذ علي منهم أربع شذوات، وأتى عبد الرحمن دولاب فأقام به.
وسار طاشتمر إلى علي فوافاه وقاتله، فانهزم علي إلى نهر السدرة، وكتب يستمد عبد الرحمن، فأخبره بانهزام علي عنه، فأتاه عبد الرحمن، وواقع علياً نهر السدرة وقعة عظيمة، فانهزم علي إلى الخبيث، وعسكر عبد الرحمن بلنبان، فكان هووإبراهيم بن سيما يتناوبان المسير إلى عسكر الخبيث فيوقعان به، وإسحاق بن كنداجيق بالبصرة، وقد قطع الميرة عن الزنج، فكان صاحبهم يجمع أصحابه يوم محاربة عبد الرحمن وإبراهيم، فإذا انقضت الحرب سير طائفة منهم إلى البصرة يقاتل بهم إسحاق، فأقاموا كذلك بضعة عشر شهراً إلى أن صرف موسى بن بغا عن حرب الزنج، ووليها مسرور البلخي، فانتهى الخبر بذلك إلى الخبيث.

.ذكر ملك يعقوب نيسابور:

وفيهأن في شوال، دخل يعقوب بن الليث نيسابور، وكان سبب مسيره إليها أن عبد الله السجزي كان ينازع يعقوب بسجستان، فلما قوي عليه يعقوب هرب منه إلى محمد بن طاهر، فأرسل يعقوب يطلب من ابن طاهر أن يسلمه إليه فلم يفعل، فسار نحوه إلى نيسابور، فلما قرب منهأن وأراد دخولهأن وجه محمد بن طاهر يستأذنه في تلقيه، فلم يأذن له،! فبعث بعمومته وأهل بيته فتلقوه.
ثم دخل نيسابور في شوال، فركب محمد بن طاهر، فدخل إليه في مضربه، فساءله، ثم وبخه على تفريطه في عمله، وقبض على محمد بن طاهر وأهل بيته، واستعمل على نيسابور، وأرسل إلى الخليفة يذكر تفريط محمد ابن طاهر في عمله، وأن أهل خراسان سألوه المسير إليهم، ويذكر غلبة العلويين على طبرستان، وبالغ في هذا المعنى، فأنكر عليه ذلك، وأمر بالاقتصار على ما أسند إليه، وإلا يسلك معه مسلك المخالفين.
وقيل كان سبب ملك يعقوب نيسابور ما ذكرناه سنة سبع وخمسين من ضعف محمد بن طاهر أمير خراسان، فلما تحقق يعقوب ذلك، وأنه لا يقدر على الدفع، سار إلى نيسابور، وكتب إلى محمد بن طاهر يعلمه أنه قد عزم على قصد طبرستان ليمضي ما أمره الخليفة في الحسن بن زيد المتغلب عليهأن وأنه لا يعرض لشيء من عمله، ولا لأحد من أسبابه.
وكان بعض خاصة محمد بن طاهر وبعض أهله لما رأوا إدبار أمره مالوا إلى يعقوب، فكاتبوه، واستدعوه، وهونوا على محمد أمر يعقوب من نيسابور، فأعلمه أنه لا خوف عليه منه، وثبطوه عن التحرز منه، فركن محمد إلى قولهم، حتى قرب يعقوب من نيسابور، فوجه إليه قائداً من قواده يطيب قلبه، وأمره بمنعه عن الأنتزاح عن نيسابور إن أراد ذلك.
ثم وصل يعقوب إلى نيسابور رابع شوال وأرسل أخاه عمروبن الليث إلى محمد بن طاهر، فأحضره عنده، فقبض عليه وقيده، وعنفه على إهماله عمله، وعجزه عن حفظه، ثم قبض على جميع أهل بيته، وكانوا نحواً من مائة وستين رجلأن وحملهم إلى سجستان، واستولى على خراسان، ورتب في الأعمال نوابه.
وكانت ولاية محمد بن طاهر إحدى عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام.

.ذكر ظهور ابن الصوفي بمصر ثانياً:

وفيها عاد ابن الصوفي العلوي فظهر بمصر، وقد ذكرنا سنة ست وخمسين ظهوره وهربه إلى الواحات، فأحم نفسه، ودعا الناس إلى نفسه، فتبعه خلق كثير، وسار بهم إلى الأشمونين، فوجه إليه جيش عليهم قائد يعرف باب أبي الغيث، فوجده قد أصعد إلى لقاء أبي عبد الرحمن العمري، وسنذكر بعد هذا.
فلما وصل العلوي إلى العمري اتقيأن فكان بينهما قتال شديد، أجلت الوقعة عن انهزام العلوي، فولى منهزماً إلى أسوان، فعاث فيهأن وقطع كثيراً من نخلها.
فسير إليه ابن طولون جيشاً، وأمرهم بطلبه أين كان، فسار الجيش في طلبه، فولى هارباً إلى عيذاب، وعبر البحر إلى مكة، وتفرق أصحابه، فلما وصل إلى مكة بلغ خبره إلى واليهأن فقبض عليه وحبسه، ثم سيره إلى ابن طولون، فلما وصل إلى مصر أمر به فطيف به في البلد، ثم سجنه مدة وأطلقه، ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى أن مات.

.ذكر حال أبي عبد الرحمن العمري:

قد تقدم ذكر أبي عبد الرحمن العمري، واسمه عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وكان سبب ظهوره بمصر أن البجاة أقبلت يوم العيد، فنهبوا وقتلوا وعادوا غامنين، وفعلوا ذلك مرات، فخرج هذا العمري غضباً لله وللمسلمين، وكمن لهم في طريقهم، فلما عادوا خرج يحصي، وتابع عليهم الغارات حتى أدوا إليه الجزية، ولم يفعلوها قبل ذلك.
واشتدت شوكة العمري، وكثر أتباعه؛ فلما بلغ خبره ابن طولون سير إليه جيشاً كثيفأن فلما التقوا تقدم العمري وقال لمقدم الجيش: إن ابن طولون لا يعرف خبري، لا شك، على حقيقته، فإني لم أخرج للفساد، ولم يتأذ بي مسلم ولا ذمي، وإمنا خرجت طلباً للجهاد، فاكتب إلى الأمير أحمد عرفه كيف حالي، فإن أمرك بالانصراف فانصرف، وإلا إن أمرك بغير ذلك كنت معذوراً. فلم يجبه إلى ذلك، وقاتله، فانهزم جيش ابن طولون، فلما وصلوا إليه أخبروه بحال العمري فقال: كنتم أنهيتم حاله إلي، فإنه نصر عليكم ببغيكم. وتركه.
فلما كان بعد مدة وثب على العمري غلامان له فقتلاه، وحملا رأسه إلى أحمد بن طولون، فلما حضرا عنده سألهما عن سبب قتله، فقالا: أردنا التقرب إليك بذلك، فقتلهمأن وأمر برأس العمري فغسل، وكفن، ودفن.

.ذكر ما كان هذه السنة بالأندلس:

في هذه السنة سار محمد بن عبد الرحمن الأموي، صاحب الأندلس، إلى طليطلة فنازلها وحصرهأن وكان أهلها قد خالفوا عليه، وطلبوا الأمان فأمنهم، وأخذ رهائنهم.
وفيها خرج أهل طليطلة إلى حصن سكيان، وكان فيه سبع مائة رجل من البربر، وكان أهل طليطلة في عشرة آلاف، فلما التحمت بينهم الحرب انهزم أحد مقدمي أهلهأن وهوعبد الرحمن بن حبيب، فتبعه أهل طليطلة في الهزيمة، وإمنا انهزم لعداوة كانت بينه وبين مقدم آخر اسمه طريشة من أهل طليطلة، فأراد أن يوهنه بذلك، فلما انهزموا قتلوا البرقيل.
وفيها عاد عمروبن عمروس إلى طاعة محمد بن عبد الرحمن، وكان مخالفاً عليه عدة سنين، فولاه مدينة أمشقة وحصر محمد حصون بني موسى ثم تقدم إلى بنبلونة فوطئ أرضها وعاد.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها سارت سرية للمسلمين إلى مدينة سرقوسة، فصالحها أهلها على أن أطلقوا الأسرى الذين كانوا عندهم من المسلمين، ثلاثمائة وستين أسيرأن فلما أطلقوهم عادت عنهم.
وفيها قتل كيجور، وكان سبب قتله أنه كان على الكوفة، فسار عنها إلى سامرا بغير إذن، فأمر بالرجوع فأبى، فحمل إليه مال ليفرقه في أصحابه فلم يقنع به، وسار حتى أتى عكبرأن فوجه إليه من سامرا عدة من القواد فقتلوه، وحملوا رأسه إلى سامرا.
وفيها غلب يعقوب بن الليث عن بلخ، فأقام بقهستان، وولى عماله هراة، وبوشنج، وباذغيس، وانصرف إلى سجستان.
وفيها فارق عبد الله السجزي، وحاصر نيسابور وبها محمد ابن طاهر قبل أن يملكها يعقوب بن الليث فوجه محمد بن طاهر إليه الرسل والفقهاء، فاختلفوا بينهمأن ثم ولاه الطبسين، وقهستان؛ وفيها غلب الحسن بن زيد على قومس ودخلها أصحابه.
وفيها كانت وقعة بين محمد بن الفضل بن بين ووهوسوذان بن جستان الديلمي، وانهزم وهسوذان.
وفيها نزلت الروم على سميساط، ثم نزلوا على ملطية وقاتلهم أهلهأن فانهزمت الروم، وقتل بطريق البطارقة.
وحج بالناس العباس بن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس المعروف ببرية.
وفيها مات محمد بن يحيى بن موسى أبوعبد الله بن أبي زكرياء الأسفرايني المعروف بابن حيويه، ومحمد بن عمروس بن يونس بن عمران بن دينار الكوفي الثعلبي، وكان شيعياً ضعيف الحديث.
وفيها توفي أبوالحسن بن علي بن حرب الطائي الموصلي، وكان محدثاً وممن روى عنه أبوه علي بن حرب.

.حوادث سنة ستين ومائتين:

.ذكر دخول يعقوب طبرستان:

وفيها واقع يعقوب بن الليث الحسن بن زيد العلوي، فهزمه، ودخل طبرستان.
وكان سبب ذلك أن عبد الله السجزي كان ينازع يعقوب الرئاسة بسجستان، فقهره يعقوب، فهرب منه عبد الله إلى نيسابور، فلما سار يعقوب إلى نيسابور، كما ذكرنأن هرب عبد الله إلى الحسن بن زيد بطبرستان، فسار يعقوب في أثره، فلقيه الحسن بن زيد بقرية سارية.
وكان يعقوب قد أرسل إلى الحسن يسأله أن يبعث إليه عبد الله ويرجع عنه، فإنه إمنا جاء لذلك لا لحربه، فلم يسلمه الحسن، فحاربه يعقوب، فانهزم الحسن، ومضى نحوالسر وأرض الديلم، ودخل يعقوب سارية، وآمل، وجبى أهلها خراج سنة، ثم سار في طلب الحسن، فسار إلى بعض جبال طبرستان، وتتابعت عليه الأمطار نحواً من أربعين يومأن فلم يتخلص إلا بمشقة شديدة، وهلك عامة ما معه من الظهر.
ثم أراد الدخول خلف الحسن، فوقف على الطريق الذي يريد أن يسكه، وأمر أصحابه بالوقوف، ثم تقدم وحده، وتأمل الطريق، ثم رجع إليهم فأمرهم بالانصراف، وقال لهم: إنه لم يكن طريق غير هذأن وإلا لا طريق إليه.
وكان نساء أهل تلك الناحية قلن لرجال: دعوه يدخل، فإنه إن دخل كفيناكم أمره، وعلينا أسره لكم. فلما خرج من طبرستان عرض رجاله، ففقد منهم أربعون ألفأن وذهب أكثر ما كان معه من الخيل، والإبل،والبغال والأثقال، وكتب إلى الخليفة بما فعله مع الحسن من الهزيمة، وسار إلى الري في طلب عبد الله لأنه كان قد سار إليها بعد هزيمة الحسن، فلما قاربها يعقوب كتب إلى الصلاني واليها يخيره بين تسليم عبد الله إليه وينصرف عنه، وبين المحاربة، فسلم إليه عبد الله فرحل عنه، وقتل عبد الله.

.ذكر الفتنة بالموصل وإخراج عاملهم:

كان الخليفة المعتمد على الله قد استعمل على الموصل أساتكين، وهومن أكابر قواد الأتراك، فسير إليها ابنه أذكوتكين في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين ومائتين؛ فلما كان يوم النيروز من هذه السنة، وهوالثالث عشر من نيسان، غيره المعتضد بالله، ودعا أذكوتكين ووجوه أهل الموصل إلى قبة في الميدان، وأحضر أنواع الملاهي، وأكثر الخمر، شرب ظاهرأن وتجاهر أصحابه بالفسوق، وفعل المنكرات، وأساء السيرة في الناس.
وكان تلك السنة بدرد شديد أهلك الأشجار، والثمار، والحنطة، والشعير، وطالب الناس بالخراج على الغلات التي هلكت، فاشتد ذلك عليهم، وكان لا يسمع بفرس جيد عند أحد إلا أخذه، وأهل الموصل صابرون، إلى أن وثب رجل من أصحابه على امرأة فأخذها في الطريق، فامتنعت، واستغاثت، فقام رجل اسمه إدريس الحميري، وهومن أهل القرآن والصلاح، فخلصها من يده، فعاد الجندي أذكوتكين فشكا من أرجل، فأحضره وضربه ضرباً شديداً من غير أن يكشف الأمر، فاجتمع وجوه الموصل إلى الجامع وقالوا: قد ضربنا على أخذ الأموال، وشتم الأعراض، وإبطال السنن والعسف، وقد أفضى الأمر إلى أخذ الحريم، فاجمع رأيهم على إخراجه، والشكوى منه إلى الخليفة.
وبلغه الخبر، فركب إليهم في جنده، وأخذ معه النفاطين، فخرجوا إليه وقاتلوه قتالاً شديدأن حتى أخرجوه عن الموصل، ونهبوا داره، وأصابه حجر فأثخنه، ومضى من يومه إلى بلده، وسار منه إلى سامرا.
واجتمع الناس إلى يحيى بن سليمان، وقلدوه أمرهم، ففعل، فبقي كذلك إلى أن انقضت سنة ستين؛ فلما دخلت سنة إحدى وستين كتب أساتكين إلى الهيثم بن عبد الله بن المعمر التغلبي، ثم العدوي، في أن يتقلد الموصل، وأرسل إليه الخلع والواء وكان بديار ربيعة، فجمع جموعاً كثيرة، وسار إلى الموصل، ونزل بالجانب الشرقي، وبينه وبين البلد دجلة، فقاتلوه، فعبر إلى الجانب الغربي وزحف إلى باب البلد، فخرج إليه يحيى بن ليمان في أهل الموصل، فقاتلوه فقتل بينهم قتلى كثيرة، وكثرت الجراحات وعاد الهيثم عنهم.
فاستعمل أساتكين على الموصل إسحاق بن أيوب التغلبي فخرج في جمع يبلغون عشرين ألفأن منهم حمدان بن حمدون التغلبي وغيره، فنزل عند الدير الأعلى، فقاتله أهل الموصل ومنعوه، فبقوا كذلك مدة، فمرض يحيى بن سليمان الأمير، فطمع إسحاق في البلد، وجد في الحرب فانطشف الناس بين يديه، فدخل إسحاق البلد، ووصل إلى سوق الأربعاء، وأحرق سوق الحشيش، فخرج بعض العدول، اسمه زياد بن عبد الواحد. وعلق في عنقه مصحفأن واستغاث بالمسلمين فأجابوه، وعادوا إلى الحرب، وحملوا إلى إسحاق وأصحابه، وأخرجوهم من المدينة.
وبلغ يحيى بن سليمان الخبر، فأمر فحمل في محفة، وجعل أمام الصف، فلما رآه أهل الموصل قويت نفوسهم، واشتد قتالهم، ولم يزل الأمر كذلك وإسحاق يراسل أهل الموصل، وبعدهم الأمان وحسن السيرة، فأجابوه إلى أن يدخل البلد، ويقيم بالربض الأعلى، فدخل وأقام سبعة أيام.
ثم وقع بين بعض أصحابه وبين قوم من أهل الموصل شر، فرجعوا إلى الحرب، وأخرجوه عنهأن واستقر يحيى بن سليمان بالموصل.

.ذكر الحرب بين أهل طليطلة وهوارة:

وفي هذه السنة ظهر موسى بن ذي النون الهواري بشنت برية، وأغار على أهل طليطلة، ودخل حصن وليد من شنت برية، فخرج أهل طليطلة إليه في نحوعشرين ألفأن فلما التقوا بموسى واقتتلوا انهزم محمد بن طريشة في أصحابه، وهومن أهل طليطلة، فتبعه أهل طليطلة في الهزيمة، وانهزم معهم مطرف بن عبد الرحمن، فعمل ذلك محمد مكافأة لمطرف حين انهزم بالناس في العام الماضي، فقتل أهل طليطلة خلق كثير، وقوي موسى ابن ذي النون، وهابه من حاذره.